تعزيز الصلابة النفسية كركيزة لصحة نفسية متوازنة وكآلية للتغلب على الهشاشة النفسية.

د. يسين العمري

جامعة الحسن الثاني – الدار البيضاء، المغرب.

Promoting psychological resilience as a foundation for balanced mental health and as a mechanism to overcome psychological fragility .

Dr. Yassine El Amiri

University Hassan II – Casablanca, Morocco.

الملخص:

في ظلّ الضغوط الحياتية واليومية، التي ترهق الناس جسدياً ونفسياً، وهو ما يؤدّي إلى تكلفة باهظة الثمن على الصحة البدنية والنفسية للأفراد، وبالتالي للمجتمعات، فعلى صعيد الأفراد يصبحون أكثر عرضة للهشاشة النفسية، وبالتالي عرضة للاكتئاب والقلق والأفكار الهذيانية والوسواسية، وربّما الأفكار الانتحارية، هذا المعطى يؤثّر بالتبعية على العلاقات الأسرية والمهنية والاجتماعية بصفة عامّة، والعلاقات الإنسانية بصفة أعمّ. لذلك بات تعزيز الصلابة النفسية في عالمنا الراهن أمراً ضرورياً، من جهة لتعزيز الصحة النفسية والتوازن النفسي للأفراد، وبالتالي من أجل علاقات اجتماعية أكثر أماناً، ومن جهة ثانية للتغلب على الهشاشة النفسية للأفراد، وهو ما يؤدّي لنفس النتيجة أي مجتمع أكثر تناغماً وأماناً، فالمجتمع في النهاية ما هو إلا مجموعة أفراد، وأفراد أصحاء ومتوازنون نفسياً سينعكس إيجابياً على هذا المجتمع، وخصوصاً فيما يتعلّق بالعلاقات الاجتماعية. وهذا ما سنحاول توضيحه في هذا المقال.

الكلمات المفتاحية: الصلابة النفسية – الهشاشة النفسية – الصحة النفسية – التوازن النفسي.

Abstract:

 In light of the daily life pressures that exhaust people physically and psychologically, which leads to a high cost to the physical and psychological health of individuals, and thus to societies, on the level of individuals, they become more vulnerable to psychological fragility, and thus vulnerable to depression, anxiety, delusional and obsessive thoughts, and perhaps suicidal thoughts. The given subsequently affects family, professional, and social relationships in general, and human relationships in general. Therefore, enhancing psychological toughness in our current world has become necessary, on the one hand, to enhance the psychological health and psychological balance of individuals, and thus for safer social relationships, and on the other hand, to overcome the psychological fragility of individuals, which leads to the same result, i mean, a more harmonious and secure society. Because society -in In the end- is a group of individuals, and healthy and psychologically balanced individuals will reflect positively on this society, especially with regard to social relations. This is what we will try to explain in this article.

Keywords: psychological hardiness – psychological fragility – mental health – psychological balance.

المقدمة:

إنّ الصحة بمفهومها الشامل تعدّ أهمّ شيء في حياة الإنسان، كما أنّ مكوّناتها شديدة الارتباط ببعض، والتكامل مع بعض، فالصحة النفسية تنعكس بالسلب أو بالإيجاب على الصحة البدنية، والعكس صحيح، فالصحة بهذا المعنى كلّ مركّب من أجزاء ترتبط ببعض وتؤثّر على بعض. وفي عالم مليء بالضغوط النفسية والاجتماعية والانفعالات المستمرّة، إضافة للتحوّلات المستمرّة في أساليب الحياة، و أنماط الاستهلاك، والتغيرات الاجتماعية المتلاحقة، والصراعات بمفهومها الشامل (حضاريا، ثقافيا، سياسيا، إعلاميا، اجتماعيا، اقتصاديا، عسكريا… الخ)، والنقاشات اليومية (بين الجنسين، بين مختلف الأجيال، داخل الأسر، مع الجيران، في المحيط المهني… الخ)…. كلّ هذه عوامل من شأنها زعزعة الصلابة النفسية للفرد، وبالتالي الدفع به نحو الإحباط، وفقدان الثقة في الذات وفي المحيط، ومن ثمّ الاستسلام للهشاشة النفسية، وفقدان التوازن النفسي، لفائدة أفكار انهزامية ومشاعر سلبية، قد تصل لنتائج لا يحمد عقباها من بينها وضع حدّ لحياة الفرد، الذي قد لا يتحمّل ضغوط الحياة، ويفقد الصلابة النفسية الكافية لمواجهتها.

أيضاً فإنّ المجتمع الذي يعاني من عدم التكامل والتكافل بين أجهزته ومؤسساته وهيئاته ومنظماته ووزراته وإداراته، مجتمع مريض. والمجتمع الذي تسوء فيه الأحوال الاقتصادية، ويتدهور فيه مستوى المعيشة يكون مجتمعا مريضا، والمجتمع الذي يتدهور فيه نظام القيم وتسوده الانحرافات والتّشوهات المعرفية والجنسية والجرائم (وما أكثرها اليوم)، وتكثر به الكوارث الاجتماعية ويسود فيه العنف مجتمع مريض. والمجتمع الذي تسود فيه ثقافة مرضيّة مليئة بعوامل الهدم والصراع والتعقيد والإحباط والتنافس غير الشريف والشراكة القائمة على مصالح معيّنة عند  البعض، مجتمع مريض.

لذلك فإنّ المجتمع يحتاج إلى جهود جبارة للقضاء على كل هذه الأمراض الاجتماعية ليكون عنده جيل قوي جسديا ونفسيا واجتماعيا، يستحق أن يكون سويّاً بعيداً عن الاضطرابات النفسيّة المختلفة. لذلك فإن من أهم أهداف الصّحة النفسيّة بناء الشخصية المتكاملة وإعداد الإنسان ليكون متوازناً نفسياً وعقلياً في قطاعات المجتمع المختلفة وأياً كان دوره الاجتماعي، بحيث يُقبل على تحمل المسؤوليّة الاجتماعية، مستغلا طاقاته وإمكاناته إلى أقصى حدّ ممكن ويعطي للمجتمع بقدر ما يأخذ أو أكثر، وهذا يحتاج أن يتمتع الفرد بنمو اجتماعي وجسدي وانفعالي وحسّي وفكري، وكذلك إشباع صحيح للحاجات النفسيّة والاجتماعية وتقبل الواقع والتّكيّف والاندماج السّليم وتوسيع دائرة الاهتمامات والميول وتنمية المهارات الاجتماعية والشخصيّة والمشاركة الاجتماعية الخلاقة المسؤولة والتي تحقق التوافق الاجتماعي السوي.[1]

إننا نعيش اليوم في العصر الحديث، عصر القلق والضغوطات الحياتيّة المتنوعة من أمراض وفيروسات مُصنّعة وحروب وكوارث طبيعيّة. فيعاني الأفراد في الكثير من المجتمعات من عدّة اضطرابات نفسيّة وعقلية وأمراض عصبيّة التي تؤدي إلى عدم المساواة وينتج عنها الكثير من المشاكل المجتمعيّة والأسريّة وحتى الأمنيّة…، لذلك فهو يحتاج إلى خطط توعيّة وتثقيف متنوعة سواء كان ذلك عبر الحكومة أو الهيئات الشعبية والمدنيّة أو المدارس والمعاهد والجمعيات.

وتأتي أهمية المقال انطلاقاً من المعدّل المهول لحالات الاضطراب الاكتئابي والانتحار، فحسب منظمة الصحة العالمية في تقرير نشرته على موقعها بتاريخ 31 مارس 2023، فإنّ: ” ما يقدر بنحو 3,8٪ من سكان العالم يعانون من الاكتئاب، بما في ذلك 5٪ من البالغين (4٪ من الرجال و6٪ من النساء)، و5,7٪ من البالغين الذين تزيد أعمارهم على 60 عاماً. ويعاني نحو 280 مليون شخص في العالم من الاكتئاب. ويزيد شيوع الاكتئاب بين النساء مقارنة بالرجال بنسبة 50% تقريباً. وعلى الصعيد العالمي، تعاني أكثر من 10% من النساء الحوامل والنساء اللاتي ولدن حديثاً من الاكتئاب.  ويموت أكثر من 000 700 شخص منتحراً كل عام. ويُعد الانتحار رابع الأسباب الرئيسية للوفاة بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 سنة”.[2]

وكذلك فإنّ شهر مايو من كلّ سنة على الصعيد العالمي يعرف بأنّه شهر التوعية بالصحة النفسية، وبالتالي فإنّ المقال ينضبط لمعيار عنصري الجِدّة والراهنية في البحوث، وعليه يكون هدف المقال هو نشر المزيد من التوعية بأهمية الصحة النفسية، وكيفية مواجهة الضغوط النفسية التي يعيشها الأفراد في معيشهم اليومي، وذلك عبر تقوية صلابتهم النفسية وبمفهوم المخالفة التغلب على هشاشتهم النفسية، وتحقيق التوازن النفسي- السلوكي من أجل حياة أفضل.

وبخصوص الصعوبات أو التحديات التي واجهها الباحث في تحضير مقاله، فإنّ أبرزها كان في تشعّب الموضوع، وكثرة مداخله التحليلية الممكنة، لأنّ الصحة النفسية جزء من الصحة العامة، والتوازن النفسي جزء من الصحة النفسية، والمرونة النفسية وجودة الحياة متشابهان مع الصحة النفسية ومع سيكولوجية الصحة، والصلابة النفسية هي آلية لتقوية الصحة النفسية والتغلب على الهشاشة النفسية، بهدف تحقيق التوازن النفسي، وهذه أمور كلّها قد تلتبس في ذهن المتلقي، لذلك فقد حاولنا توضيح هذه النقط ومحاولة فكّ الاشتباك بينها، وتبيان نقط الالتقاء أو التكامل الممكنة، من خلال وضع إطار مفاهيمي دقيق لكل هذه المفاهيم.

وبناءًا على ما سبق تكون إشكالية هذا المقال هي: “إلى أيّ حدّ تستطيع الصلابة النفسية دعم الفرد في مقاومته للضغوط الحياتية التي يواجهها في واقعه اليومي، وتخليصه بالتالي من هشاشته النفسية؟ وهل الصلابة النفسية تعني بالضرورة صحّة نفسية جيدة؟“.

وبخصوص فرضيات المقال التي اشتغلنا عليه فهي كالتالي:

  1. إنّ الصلابة النفسية أمر نسبي وخاضع لمبدأ الفروقات الفردية.
  2. إنّ الصلابة النفسية أمر يمكن التدرّب عليه وتقويته.
  3. إنّ الصلابة النفسية آلية قوية لمواجهة ضغوط الحياة اليومية.
  4. إنّ الصلابة النفسية تخدم الفرد والمجتمع.
  5. إنّ الصلابة النفسية ركيزة مهمة لصحة نفسية أفضل.
  6. إنّ الصلابة النفسية تؤهّل للفرد للتغلّب على هشاشته النفسية.

وبعد أن حاولنا بسط مجموع هذه العناصر، ننتقل إلى تفكيكها في أفق محاولة الإجابة عن الإشكالية المطروحة.

المحور الأول: تعزيز الصلابة النفسية دعامة لضمان صحة نفسية وتوازن نفسي جيدين.

قبل الخوض في هذه النقط بالتفصيل، اقتضت المنهجية البحثية بادئ ذي بدء بسط المفاهيم، لذلك سنبدأ بتعريف أهمّ المفاهيم التي يقوم على بحثنا، والتي سنجد أنّ بعضها متشابهة أو تتقاطع وتكّمل بعضها بعضاً، لذلك سننطلق من العام نحو الخاص:

نبدأ بالصحة فهي تعني حسب منظمة الصحة العالمية سنة 1948: ” حالة من تكامل الإحساس الجسدي والنفسي والاجتماعي، وليس فقط حالة الخلو من الأمراض والعِلَل والعاهات والعجز”.[3]

ننتقل بعدها لسيكولوجية الصحة أو علم نفس الصحة، وهو حسب تعريف ميثاق أوتاوا الذي تبنّته منظمة الصحة العالمية: “مجموعة المعارف العلمية السيكولوجية المطبقة على فهم الصحة والمرض”.[4]

 أمّا الصحة النفسية تقصد بها مقبال يمينة: [… قدرة الإنسان على الشعور بالسعادة، وإيمانه بالقيم المختلفة في الحياة، وتكوين علاقات صادقة مع الآخرين، وكذلك قدرته على عودته إلى حالته الطبيعية بعد التعرّض لأيّة صدمة أو ضغط نفسي… إنها ليست فقط الخلوّ من الأمراض، ولكنها حالة من اكتمال المعافاة الجسدية والنفسية والاجتماعية].[5]

وبخصوص جودة الحياة وفق تعريف منظمة الصحة العالمية فهي: ” تصور الفرد لمركزه في الحياة في سياق الثقافة وأنظمة القيم التي يعيش فيها وبالنسبة إلى أهدافه “.[6]

أمّا الصلابة النفسية فحسب فاطمة النشرتي: [… هي إحدى الطرائق التي يستخدمها الإنسان للدفاع عن نفسه وتطويرها في نفس الوقت، وهذا يعني أنَّ الإنسان الذي يمتلك الصلابة النفسية لن يقف في نفس المكان الذي كان عليه قبل مواجهة الأزمات والمصاعب والضغوطات، بل سيستغل ظروفه الصعبة هذه ويجعل منها حافزاً لتنمية وتطوير شخصيته، كما أنَّه سيكون قادراً على تجاوز مشاعر اليأس والعجز بنظرته التفاؤلية وإحساسه بأنَّ القادم أفضل، إيماناً منه أنَّه يستطيع مقاومة الضغوط ومواجهتها، ويقدر على الصبر عند الشدائد، وهذا ما يجعله متأكداً أنَّ ما بعد الضيق إلا الفرج].[7]

وننتقل إلى الضغوط النفسية، وحسب موقع وزارة الصحة السعودية فهي: ” هو شعور بأن الفرد تحت ضغط غير طبيعي، ويمكن أن يأتي هذا الضغط من جوانب مختلفة من اليوم (مثل: زيادة عبء العمل، فترة انتقالية، جدال بين العائلة أو مخاوف مالية جديدة وقائمة)، قد يجد أن لها تأثيرًا تراكميًا بحيث تتراكم كل الضغوط فوق بعضها البعض، وخلال هذه المواقف قد يشعر بالانزعاج، وقد يخلق الجسم نتيجة لذلك استجابة للتوتر والقلق وسرعة الانفعال، هذا يمكن أن يسبب مجموعة متنوعة من الأعراض الجسدية ويغير الطريقة التي يتصرف بها، ويقوده إلى تجربة مشاعر أكثر حدة، يمكن أن تؤثر الضغوط بعدة طرق جسدية وعاطفية وبدرجات متفاوتة”.[8]

أمّا المرونة النفسية، فالمقصود بها وفق منظمة أسام التركية للإرشادات النفسية: ” هي الجهد الذي يبذله الشخص للتغلب على المشاكل والصعوبات التي واجهها أو سيواجهها خلال حياته، والقدرة على تعزيز قواه الشخصية في مواجهة هذا الجهد”.[9] وهي بهذا المعنى لا تقضي على التوتر أو الصعوبات أو المشاكل التي يعاني منها الناس، وإنما تمنح الناس القوة للتعامل مباشرة مع المشاكل، والتغلب على الصعوبات والمضي قدماً في الحياة. حيث تقلل المرونة النفسية من الآثار السلبية للمواقف العصيبة وتسهل على الناس التكيف مع حياتهم والظروف المحيطة بهم، وبالتالي نزعم أنّ الصلابة النفسية والمرونة النفسية مفهومان متشابهان.

ونعرج على مفهوم التوازن النفسي، فهو حسب شيماء عبد مطر التميمي: ” التوازن النفسي هو المستوى الثالث في الصحة النفسية (بعد السعادة وهي غلبة المشاعر الإيجابية, والرضى النفسي وهو القناعة بما هو موجود), وهو حالة دينامية تكاد تتساوى فيه كفتان تحمل كل منهما شيئا يناقض بحيث يسمح هذا التوازن بحالة من الاستقرار النفسي. والتوازن الدينامي يعني أن الإنسان والبيئة المحيطة به في حالة تغير مستمر (وأحيانا اضطراب أو زلزلة) وبالتالي تكون ثمة احتمالات لتغيرات واضطرابات مؤقتة في حالة التوازن ولكنها سرعان ما تختفي بالإضافة أو الحذف في كفتي الميزان بحيث نبقي على حالة الاستقرار”.[10]

وأخيراً فالهشاشة النفسية كما يعرّفها إسماعيل عرفة: ” هي حالة عدم الاستقرار العاطفي والنفسي، يمكن أن تؤثّر على الأداء العام للشخص في الحياة، وهي تصيب الشخص بسبب كثرة تعرضه للمواقف التي تضغط عليه، وبسبب عدم قدرته على التكيف مع الظروف المحيطة به، ما يزيد من وتيرة التوتر والقلق النفسي وبشكل مستمر. مما يضعف لديه الثقة في نفسه بشكل كبير، مع المبالغة في لوم النفس وجلد الذات، والتعلّق الزائد بالآخر، والحاجة الدائمة لوجود أشخاص قريبين بهدف الدعم المعنوي أو المادي، وسرعة الاستفزاز، وصعوبة تقبّل التغيير، وكثرة التوقف عند المواقف الماضية السلبية، وصعوبة التخلّص من التجارب السيئة، وهيمنة التفكير العاطفي مقابل غياب العقلانية، وعدم تقبّل الأخطاء البسيطة، واضطرابات النوم والأكل، وسيطرة المشاعر والأفكار السلبية على التفكير، وأخيراً دوام ترجمة أفعال وأقوال وسلوكيات الآخرين على محمل سلبي يتصور فيها المرء قصد الضرر به والتآمر عليه والنيل منه، سواء وجد أو لم يوجد في أفعال الآخرين ما يبرر هذا التأويل”.[11]

ونستخلص ممّا سبق أنّ الهشاشة النفسية قد لا تؤذي الفرد لوحده فقط، بل من شأنها أن تسبّب المشاكل لكامل محيطه الأسري، بل والاجتماعي بصفة عامّة، لذلك نؤكّد على أنّ تقوية الصلابة النفسية لدى الأفراد، هي بمثابة تقوية مناعة مجتمع بأكمله في مواجهة الصراعات والنزاعات والمشاحنات والمشادّات.

بعد بسط الإطار المفاهيمي، ننطلق من كون الصحة النفسية -كما تمّ توضيحه سالفاً- لا تعني أن تكون مجرّد حياة الفرد خالية من حالة الحزن والبكاء، وبعض من التوتر والقلق، بل هي كما تؤكد رلى فرحات: “تلك القدرة على التكيف، والمرونة، والتقبل، والضّبط الانفعالي، والتّفكّر والابتعاد عن القرارات المُتسرّعة التي تُعرّض صاحبها للمسؤولية الصّعبة وأحياناً المؤلمة”.[12]

وتكون الصحة النفسية ابتداءًا بمحاولة تفادي مسبّبات الضغوط النفسية اليومية أو الحياتية، الأسباب المحتملة للضغط النفسي. وذلك لأنّ هذا الضغط يؤثر في الناس بشكل مختلف. كما أن أسباب التوتر تختلف من شخص لآخر، وقد يكون مستوى الضغط الذي يشعر الفرد بالراحة تجاهه أعلى أو أقل من مستوى الأشخاص الآخرين من حولك، حيث أنّ الصلابة النفسية والقابلية لمقاومة الضغوط تخضع لمبدأ الفروقات الفردية. وتحدث المشاعر المتوترة عادة عندما يشعر الفرد أنه لا يملك الموارد اللازمة لإدارة التحديات التي يواجهها، ويمكن أن يؤدي الضغط في العمل، أو المدرسة، أو المنزل، أو المرض، أو الأحداث الحياتية الصعبة أو المفاجئة إلى التوتر، وتشمل بعض الأسباب المحتملة حسب موقع وزارة الصحة السعودية ما يلي: ” الجينات الفردية والتربية والخبرة – صعوبات في الحياة الشخصية والعلاقات – تغييرات كبيرة أو غير متوقعة في الحياة (مثل: الانتقال إلى منزل، أو إنجاب طفل، أو البدء في رعاية شخص ما) – الصعوبات المالية (مثل: الديون، أو الكفاح من أجل تحمل الضروريات اليومية) –  المشاكل الصحية للشخص أو لقريب منه – الحمل والأطفال – مشاكل السكن – بيئة عمل صعبة أو مضطربة – الفقدان بجميع أشكاله، سواء كان شخصًا عزيزًا أو وظيفة وغيره”.[13]

وللمحافظة على الصحة النفسيّة ينصح بعض الخبراء مثلا بتخصيص وقت لممارسة الهوايات المختلفة من قراءة وكتابة ورسم وأشغال يدويّة ورياضة مختلفة من تأمل ومشي وغيرها. كذلك المحافظة على العلاقات الاجتماعية والأسرية، مع الإبقاء على مسافة آمنة تقي من التّعرّض للتحرّش وتمنع الانتهاكات الجسديّة والشخصيّة عديدة. كما وعلى الأفراد معرفة ذواتهم خير معرفة وتقديرها، وتحديد ما يريدون، وما هي أهدافهم وأولياتهم لمنع الإجهاد والاحتراق النفسي أو المهني. أيضاً تعزيز تقنية قول (لا) عندما يتطلب المقام والسياق ذلك، بالإضافة إلى تناول الغذاء الصحي والمتوازن وأخذ قسط وافر من النوم.[14]

لكن يبقى السؤال المطروح، ما هي نسبة مساهمة الصلابة النفسية في جعل الصحة النفسية للناس أقوى؟                                      

في هذا الصّدد تجيب الكاتبة الأسترالية كارين فاريس بأنّه يمكن للأفراد تدريب أنفسهم على الصلابة النفسية بشكل مستمرّ يتّخذ طابع الاستدامة، ونادت بذلك حيث أشارت إلى أنّ للأمر العديد من الفوائد إن استطاع الأفراد تحقيقه، ومن بين تلك الفوائد ذكرت ما يلي: ” 1تحسّن الصحة النفسية والذهنية، 2- تحسّن الأداء الإدراكي المعرفي، 3- الحفاظ على الهدوء الداخلي في المواقف المجهدة، وخاصّة عند الإجهاد المفرط أو المطول الذي يمكن أن يؤدي إلى مشاكل جسدية، حيث يمكن أن يشمل ذلك انخفاض مستويات المناعة، وصعوبات في الجهاز الهضمي والأمعاء، وعلى سبيل المثال متلازمة القولون العصبي أو مشاكل الصحة العقلية (مثل: الاكتئاب)، وهذا يعني أنه من المهم إدارة الإجهاد، والحفاظ عليه في مستوى صحي لمنع الضرر طويل المدى للجسم والعقل. 4- النظر إلى الحياة على أنّها سلسلة من التحديات وليس المشاكل. 5- الاستقرار في مواجهة الأزمات. 6- القدرة على الثبات في حالات الضغط المستمرّ. 7- القدرة على الارتداد إلى الوراء بسرعة والتعافي من الانتكاسات. 8- أخذ العبرة من الإخفاقات والنكسات، وجعلها فرصاً للتعلّم”.[15]

وبهذا نكون قد أثبتنا فرضيتين من فرضيات المقال، وهما أنّ الصلابة النفسية تُكتَسَب ويُشتَغَلُ عليها، وأنّها ركيزة مهمة في الصحة النفسية.

أمّا بخصوص الجواب عن كيفية تقوية الصلابة النفسية، فنجد نفس الكاتبة كارين فاريس ترى أنّ: “الصلابة النفسية أو المرونة النفسية هي مزيج من ثلاثة أبعاد: 1- الالتزام، 2- ضبط النفس، 3- المواجهة والتحدّي، وبالتالي فتقوية وتعزيز الصلابة النفسية تستدعي تطوير هذه الأبعاد الثلاثة، ويكون ذلك عبر الالتزام، تقدير الذات والثقة بالنفس دون تفريط ولا إفراط، تقدير أهمية الفرد وأهمية حياته التي يعيشها، التأقلم مع محيطه، تقوية علاقاته الاجتماعية، تعلّم كيفية تدبير انفعالاته، تعلّم ضبط العواطف بالعقلنة والترشيد والرجاحة، التفكير الجيد قبل اتّخاذ القرارات مهما كانت بسيطة، ألا يكون الفرد مستسلماً وانهزامياً، تدريب النفس على مواجهة ومجابهة الظروف، المثابرة والجِدّ في العمل مهما اشتدّت الظروف وزادت صعوبة وقسوة، عدم الهروب من مواجهة المشكلات مهما بدت صعبة، بل العمل الدؤوب على حلّها”.[16]

وبعد أن حاولنا توضيح دور الصلابة النفسية وتعزيزها كركيزة لصحة نفسية متوازنة، ننتقل إلى المحور الثاني من المقال.

المحور الثاني: تعزيز الصلابة النفسية آلية قوية للتغلب على الهشاشة النفسية.

ننطلق من كون الصّحة النفسيّة كما خلصنا له سالفاً هي الرفاهية العاطفية والنفسية والاجتماعية، وهي كما تراها رلى فرحات: “القدرة على تطوير جوانب الصحة المختلفة حيث تنعكس الحالة النفسية على الجسد فنواجه الآلام المختلفة بدون أن يكون هناك خلل بيولوجي او فسيولوجي حقيقي.  كما وتساعد في معرفة الطريقة الصحيحة في التفكير واتخاذ القرارات. كذلك تعتبر الصّحة النفسيّة من إحدى العوامل التي تؤثر على السلوك والتفكير والأداء في جميع مراحل الحياة بدءا من الطفولة الأولى مرورا بالمراهقة والرشد إلى الكهولة”.[17]

وذلك لأنّ الإجهاد النفسي أو الضغط أو الهشاشة النفسية تبقى هي العدو الأول للصحة النفسية، حيث يمكن أن تسبب الضغوط العديد من الأعراض المختلفة، وقد يؤثر ذلك في الشعور جسديًّا وعقليًّا، وأيضًا طريقة التصرف. ومن بين الأعراض الجسدية التي يمكن أن يسبّبها: صداع أو دوار – تصلب العضلات أو الألم – مشاكل في المعدة – ألم في الصدر أو زيادة في ضربات القلب – مشاكل جنسية. أمّا الأعراض العقلية فيمكن أن نذكر منها: صعوبة في التركيز – تجد صعوبة في اتخاذ القرارات – الشعور بالإرهاق – القلق المستمر – النسيان. وأخيراً يسبب الضغط النفسي في بعض التغييرات في السلوك من قبيل أن يكون الفرد سريع الانفعال – قلة أو كثرة النوم – قلة أو كثرة الأكل – تجنب أماكن أو أشخاص – التدخين وتعاطي المخدرات وشرب الكحول.[18]

وللتأكيد على خطورة الأمر نقدّم مجموعة من الأرقام والبيانات حول الصحية النفسية بالعالم، وذلك وفقا لبيانات منشورة من قبل منظمة الصحة العالمية:[19]

  1. ربع سكان العالم سيصابون بمرض نفسي في مرحلة ما من حياتهم.
  2. تتسبّب الأمراض النفسية في حدوث عدد كبير من الوفيات وحالات العجز، وهي تمثّل 8.8% و16.6% من عبء المرض الإجمالي الناجم عن الاعتلالات الصحية بالبلدان المنخفضة الدخل والمتوسطة الدخل، على التوالي.
  3. يمثّل الاكتئاب ثاني أهمّ أسباب عبء المرض في البلدان المتوسطة الدخل، وثالث أهمّ تلك الأسباب في البلدان المنخفضة الدخل بحلول عام 2030.
  4. زاد عدد الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب و/ أو القلق من 416 مليون شخص إلى 615 مليونا بين عامي 1990 و2013، أي بنسبة 50% تقريباً.
  5. يتضرر 10% تقريباً من سكان العالم من الاضطرابات النفسية التي تمثل 30% من العبء العالمي للأمراض غير المميتة.
  6. حوالي 20% من الأطفال والمراهقين في العالم لديهم اضطرابات أو مشاكل نفسية.
  7. حوالي نصف الاضطرابات النفسية تبدأ قبل سن الـ14 سنة.
  8. تعتبر الاضطرابات العصبية النفسية من بين الأسباب الرئيسية للعجز لدى الشباب بجميع أنحاء العالم، ومع ذلك فإن المناطق ذات النسبة المئوية الأعلى من السكان تحت سن الـ19 لديها أفقر مستوى من الموارد المخصصة للصحة النفسية.
  9. معظم البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط لديها طبيب واحد فقط متخصص بالطب النفسي عند الأطفال لكل واحد إلى أربعة ملايين شخص.
  10. الاضطرابات النفسية واضطرابات معاقرة مواد الإدمان هي السبب الرئيسي للعجز في جميع أنحاء العالم.
  11. حوالي 23% من جميع السنوات المفقودة بسبب العجز تنجم عن الاضطرابات النفسية واضطرابات معاقرة مواد الإدمان.
  12. 900000 (تسع مئة ألف) شخص ينتحرون كل عام.
  13. 86% من حالات الانتحار تحدث في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط.
  14. أكثر من نصف الأشخاص الذين يقتلون أنفسهم تتراوح أعمارهم بين 15 و44 سنة.
  15. سُجلت أعلى معدلات الانتحار بين رجال بلدان أوروبا الشرقية.
  16. الاضطرابات النفسية هي أحد أبرز أسباب الانتحار، وأكثرها قابلية للمعالجة.
  17. يمثّل نقص الأطباء النفسيين وممرضات الطب النفسي والمتخصّصين بعلم النفس والعاملين الاجتماعيين إحدى العقبات الرئيسية التي تقف دون توفير خدمات العلاج والرعاية بالبلدان المنخفضة الدخل والمتوسطة الدخل. فمثلا لا توفر البلدان المنخفضة الدخل سوى 0.05 من الأطباء النفسيين و0.42 من ممرضات الطب النفسي لكل مئة ألف ساكن. أما معدل الأطباء النفسيين المُسجل في البلدان المرتفعة الدخل أكبر ب ـ170 مرة، ومعدل ممرضات الطب النفسي أكبر بسبعين مرة.

وبالتالي، فقياساً على هذه الأرقام المقلقة والمخيفة، فإنّ العمل على تعزيز وتكريس الصّحة النفسيّة أمر مهمّ للمجتمع ككلّ، بمؤسساته المختلفة الطبيّة والاقتصادية والدينيّة والاجتماعية، وكما ترى رلى فرحات فإنّه: ” يجب أن يكون هناك عمل دائم على تحقيق التوافق بين هذه المؤسسات وبصفة خاصّة بينها وبين الأسرة والمدرسة، وهنا لا بد من أن تكون هناك أنشطة مختلفة ودائمة بين شرائح المجتمع، تُحاكي معايير الصّحة النّفسيّة بين أفراد المجتمع، وهذا لتفادي ما يُمكن أن يؤدي إلى الاضطراب النّفسي فيتحقق الإنتاج والتقدم والتطور والسعادة”.[20]

وهنا يأتي – في تقديرنا- دور غرس الصلابة النفسية في الأفراد عبر التنشئة الاجتماعية منذ صغرهم، سواء عبر التربية داخل مؤسسة الأسرة، أو عبر التعليم بمختلف مراحله وأسلاكه، هي أيضاً مسؤولية الإعلام، مسؤولية أهل الفن، مسؤولية المثقفين والعلماء، مسؤولية الدولة بدرجة كبيرة أيضاً، فالكلّ مسؤول ومعني، لأنّ تعزيز الصحة النفسية وغرس الصلابة النفسية أمور كما أسلفنا تُكتسب وتُتَعَلَّم.

ونختم هذا المحور بالتأكيد على أنّ الصّحة النفسيّة تهتم بدراسة وعلاج المشكلات الاجتماعية التي تتصل مباشرة بشخصيّة الإنسان والعوامل المحددة لها مثل مشكلات التأخر الدراسي، والرّسوب والنجاح والانحرافات الجنسيّة، والضعف العقلي. كما تساعد في ضبط سلوك الإنسان وتوجيهه وتقويمه في الحاضر بهدف تحقيق أفضل مستوى ممكن من التوافق النفسي كإنسان صالح في المجتمع”.[21]

وهنا أيضاً يأتي دور الأخصائيين النفسيين والأطباء النفسيين في تقويم سلوكات من يعانون الهشاشة النفسية من خلال شحذ هممهم على تقوية صلابتهم النفسية ومناعتهم الذاتية ضدّ ضغوط الحياة المختلفة، بسيطة كانت أو شديدة في درجة قوّتها.

وبعد محاولة تبيان دور الصلابة النفسية كآلية مهمة للتغلب على الهشاشة النفسية ودحرها والتخلّص منها، ننتقل إلى آخر جزء من المقال، حيث نحاول استعراض أهم الخلاصات والنتائج والتوصيات.

خاتمة:

تعتبر الصحة النفسيّة مهمة، حيث يمكن أن تكون سبباً رئيسياً في تعطيل الحياة اليومية لبعض الأفراد، وتوقفهم عن ممارسة أبسط أنشطتهم المفضلة. ولا يمكن الاستهانة بالآثار السلبيّة التي من الممكن أن تخلّفها مشاعر الوحدة والقلق والتوتر على الصحة النفسيّة للإنسان.

وتعتبر الصلابة النفسية والمرونة النفسية من أهمّ دعامات الصحة النفسية، ومن أهمّ طرق التعامل مع الضغوط النفسية، فالصلابة النفسية تقوم على التخلص من مسببات التوتر، مع العلم أنّه ليس من الممكن دائمًا الهروب من المواقف العصيبة أو تجنب المشكلة، ولكن الصلابة النفسية من شأنها تمكين الفرد من محاولة تقليل التوتر، وذلك بالقيام بتقييم ما إذا كان بالإمكان تغيير الموقف الذي يسبب التوتر، وربما عن طريق التخلي عن بعض المسؤولية، أو تخفيف معايير الفرد، أو طلب المساعدة.[22]

أيضاً تمكّن المرونة النفسية من البحث والحصول على الدعم الاجتماعي الذي يمكّن من تحسين القدرة على الصمود أمام الضغوط، وقد يكون بعض الأصدقاء أو أفراد الأسرة جيدين في الاستماع، لذا فالفرد مطالب بمحاولة الحصول على المساعدة من أقرب الأشخاص من أهل الثقة.[23]

وينبغي أيضاً البحث عن تغذية جيدة عند مواجهة الضغوط، إذ يقوم الجهاز العصبي المركزي بإفراز الأدرينالين والكورتيزول، مما يؤثر في الجهاز الهضمي، ويمكن أن يقتل الإجهاد الحاد الشهية، ولكن إفراز هرمون الكورتيزول أثناء الإجهاد المزمن يمكن أن يسبب الرغبة الشديدة في تناول الدهون والسكر. لذلك من مقوّمات الصحة النفسية التوازن الغذائي. ليس ذلك فقط فمن شأن إرخاء العضلات أن يكون عاملاً مساعداً، نظرًا لأن الضغوط تسبب توتر العضلات، فإن الضغوط يمكن أن تؤدي إلى آلام الظهر والتعب العام، لذا يفضل مكافحة التوتر وهذه الأعراض من خلال تمارين الإطالة، أو التدليك، أو الاستحمام بماء دافئ، أو تجربة الاسترخاء التدريجي للعضلات، وهي طريقة ثبت أنها تقلل القلق وتحسن الصحة العقلية بشكل عام. أيضاً فالمحافظة على نوم هادئ جيد للصحة النفسية، حيث أنّ الضغط النفسي يؤثر أثناء النهار في النوم ليلاً، حيث قد يؤثر فقدان الراحة في الإدراك والمزاج.[24]

وتبقى تمارين اللياقة البدنية مفيدة جداً في هذا الصدد، إذ لا يمكن لممارسة النشاط البدني المنتظم تحسين النوم فحسب، بل يمكنها أيضًا محاربة الضغوط النفسية بشكل مباشر. نفس الشيء بالنسبة للمحافظة على الأنشطة الممتعة والهوايات، فعندما تصعب الحياة غالبًا ما يترك الناس أنشطتهم الترفيهية أولاً، لكن عزل النفس عن المتعة قد يؤدي إلى نتائج عكسية، لذا يجب البحث عن فرص للقيام بهوايات وأنشطة ممتعة. وأخيراً طلب المساعدة أمر مهمّ جدّاً، فعند الشعور بالإرهاق ولم تفد المساعدة الذاتية، فالفرد مطالب بالبحث عن طبيب نفساني أو غيره من مقدمي خدمات الصحة النفسية الذين يمكنهم المساعدة في تعلم كيفية إدارة الضغوط بشكل فعال.[25]

من خلال كلّ ما سبق، نخلص إلى تأكيد أنّ الصحة النفسية تؤثر وتتأثّر سلبا وإيجابا بالصحة الجسدية، وتشكّل جزءاً لا يتجزّأ من الصحة العامة، فالجزء يؤثّر على الكلّ. ومن النتائج التي خلصنا لها أيضاً كون الصحة النفسية تتأثّر بالضغوط النفسية والحياتية بشكل بالغ لدى الأفراد، خاصّة من ذوي الهشاشة النفسية، ممّن لا يتوفّرون على صلابة نفسية ومرونة نفسية تؤهّلهم لامتصاص الضغوطات، والتأقلم مع المواقف، بناءًا على ما سبق للفرد أن راكمه من خبرات وتجارب حياتية.

وعموماً فالصلابة النفسية المحققة للصحة النفسية، والهازمة للهشاشة النفسية، والمقاومة لضغوط الحياة مرتبطة بجوانب أخرى في حياتنا، يمكن أن نذكر  منها: العوامل الاقتصادية، العوامل الدينية والثقافية… الخ. هذه الجوانب نزعم أنّها تعزز الصلابة النفسية وتزيد من تماسكها وقوتها في مواجهة المواقف والضغوط المختلفة التي تواجه الناس في حياتهم اليومية، وهذا لا يؤثر على الفرد لوحده فقط، بل على المجتمع، بدءًا من الأسرة والعائلة، مروراً بالمحيط التعليمي أو المهني، وصولا إلى الأصدقاء والجيران والشارع بصفة عامّة، أي كلّ معاملاتنا اليومية مع الآخرين، فالإنسان الهشّ نفسياً يؤذي نفسه ويضر مجتمعه، والعكس صحيح، الإنسان المتوازن نفسياً والمرن يكون مصدر  ارتياح لنفسه وإلهام لغيره .

وكتوصيات، نقترح تكثيف اللقاءات العلمية والتكوينات التي تشرح للناس (متخصصين في علم النفس أو غير متخصصين) أهمية الصلابة النفسية كركيزة أساسية في تثبيت الصحة النفسية، وفي مواجهة الهشاشة النفسية، مع عمل ورشات تطبيقية وتمارين لكيفية مواجهة مختلف ضغوط الحياة، حتى نتمكّن من دعم صحة الأفراد وتوازنهم نفسياً، وبالتالي دعم استقرار العلاقات الاجتماعية والإنسانية. ولِمَ لا تخصيص أيام دراسية قارة كلّ سنة، تقوم من خلالها الجامعات، والمستشفيات العمومية، والجمعيات المهتمة بالصحة النفسية، والمراكز البحثية النشيطة في تخصص علم النفس، بتنظيم أيام دراسية وورشات تحت إشراف مختصين مهنيين مؤهلين للقيام بمثل هذه الحملات التوعوية والتحسيسية. ويمكن أن نضرب هنا المثل بحملة (بتفرق_ع_كلمة)، وهو شعار أطلقه “مركز علم النّفس للنخبة بلبنان” ليكون حافزاً للتوعيّة والتّثقيف النّفسي. ومفاد هذه الحملة كما توضحه رئيسة المركز دة. رلى فرحات: ” إذا وجدت نفسك تعباً من ضغوطات الحياة ولا تستطيع مواجهة مشكلة ما أو أنك تعاني من اختناق نفسي: 1 اكسر حاجز الصمت وتكلم، المرض النفسي ليس عارا، المرض النفسي إن لم يعالج فسيكون له الكثير من التداعيات السلبية الجسدية والسلوكية والأدائية وحتى العقلية. 2اطلب الاستشارة من متخصص بالشأن النفسي حائز على شهادة أكاديمية في علم النفس والأهم أن يكون قد خضع لتدريبات مختلفة في التشخيص والعلاج والدعم على أيدي مختصّين أكفّاء في شأن التّشخيص والعلاج النّفسي ومنذ أكثر من عشر سنوات. 3لا تطلب العلاج إلا ممَن هو حائز على إذن مزاولة مهنة الطبيب النّفساني من وزارة الصّحة“.[26]

ونرى أنّ مثل هذه الحملات ينبغي تبنيها وتعميمها في العالم العربي كلّه، وليس فقط في دولة لبنان، لأنّ الهشاشة النفسية كما بيّنا منتشرة بأرقام مقلقة ومخيفة حول العالم، وخصوصاً بالدول المسمّاة دول العالم الثالث. ونؤكّد على مسألة أنّ من يرى في نفسه هشاشة نفسية ويريد مراجعة شخص ما، فلا ينبغي أن يلجأ إلى غير المختصين بالمهن الصحية النفسية، مهما اختلفت تسمياتهم من قبيل معالج روحاني، كوتش، … الخ، فالهشاشة النفسية وما يستتبعها من اضطرابات نفسية كالاكتئاب مثلا وما قد يؤدي له من أفكار انتحارية، تشكّل مجال تدخل الطبيب النفسي والأخصائي النفسي فقط لا غير.

لائحة المراجع والمصادر:

  1. إسماعيل عرفة، الهشاشة النفسية: لماذا أصبحنا أضعف وأكثر عرضة للكسر؟، دار وقف دلائل للنشر، الرياض، المملكة العربية السعودية، الطبعة الثانية، 2020.
  2. مقبال يمينة، الصلابة النفسية وعلاقتها بقلق المستقبل لدى عينة من شباب التكوين المهني، مجلة دراسات نفسية وتربوية، المجلد 8، العدد 1، الجزائر، نونبر 2018.
  3. حربوش سمية، الصحة والمرض بمنظار علم النفس الصحة، مجلة روافد للدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية والإنسانية، جامعة عين تيموشنت، الجزائر، العدد 2، دجنبر 2017.
  4. فاطمة النشرتي، الصلابة النفسية وعلاقتها بإدارة الأزمات، مقال منشور بموقع لينكدين بتاريخ 2023-12-11، تمّ الاطلاع عليه بتاريخ 2024-05-05، رابط المقال: https://ae.linkedin.com/
  5. عبيد عائشة بية، جودة الحياة وسبل تحقيقها في ظلّ علم النفس الإيجابي، مجلة تاريخ العلوم، جامعة زيان عاشور، الجلفة، الجزائر، المجلد 2017، العدد 6، تاريخ النشر 2017-12-31.
  6. رلى فرحات، الصحة النفسية وتأثيرها على الفرد والمجتمع، مقال منشور على موقع صحيفة الوفاق بتاريخ 2024-05-04، على الرابط التالي: https://al-vefagh.net/126421/ ، تم الاطلاع عليه بتاريخ 2024-05-07.
  7. مقال بعنوان: الضغوط النفسية، منشور بتاريخ 2020-12-02، على موقع وزارة الصحة السعودية، على الرابط التالي: https://www.moh.gov.sa/HealthAwareness/EducationalContent/Diseases/Mental/Pages/002.aspx ، تمّ الاطلاع عليه بتاريخ: 2024-05-07.
  8. مقال بعنوان: ما هي المرونة النفسية؟، منشور على موقع منظمة أسام غير الحكومية لتقديم الإرشادات النفسية بتركيا، بدون تاريخ، على الرابط التالي: https://sgdd.org.tr/ar/mhpss/%D9%85%D8%A7-%D9%87%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D9%88%D9%86%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D8%B3%D9%8A%D8%A9%D8%9F/ ، تمّ الاطلاع عليه بتاريخ 2024-05-09.
  9. شيماء عبد مطر  التميمي، التوازن النفسي والسلوكي،  مقال منشور (2020) بمجلة كلية التربية البدنية وعلوم الرياضة، جامعة المستنصرية، العراق، تم الاطلاع عليه بتاريخ 2024-05-10.
  10. تقرير منظمة الصحة العالمية بعنوان: الاضطراب الاكتئابي، منشور بتاريخ 31 مارس 2023 على موقع المنظمة، على الرابط التالي: https://www.who.int/ar/news-room/fact-sheets/detail/depression ، تم الاطلاع عليه بتاريخ 2024-05-10.
  11. تقرير منشور بتاريخ 2016-10-07 على موقع الجزيرة نت بعنوان: “الصحة النفسية حول العالم في أرقام“، على الرابط التالي: https://www.aljazeera.net/health/2016/10/7/%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AD%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1%D9%82%D8%A7%D9%85 ، تمّ الاطّلاع عليه بتاريخ 2024-05-11.
  12. Mouna CADRA, la psychologie de la santé, article publié le 28-09-2018 sur le lien suivant : https://www.mounacadra.fr/psychologie/psychologie-sante/, consulté le 11-05-2024.

[1] – رلى فرحات، الصحة النفسية وتأثيرها على الفرد والمجتمع، مقال منشور على موقع صحيفة الوفاق بتاريخ 2024-05-04، على الرابط التالي: https://al-vefagh.net/126421/ ، تم الاطلاع عليه بتاريخ 2024-05-07.

[2] –  تقرير منظمة الصحة العالمية بعنوان: الاضطراب الاكتئابي، منشور بتاريخ 31 مارس 2023 على موقع المنظمة، على الرابط التالي: https://www.who.int/ar/news-room/fact-sheets/detail/depression ، تم الاطلاع عليه بتاريخ 2024-05-10.

[3] – حربوش سمية، الصحة والمرض بمنظار علم النفس الصحة، مجلة روافد للدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية والإنسانية، جامعة عين تيموشنت، الجزائر، العدد 2، دجنبر 2017، ص 251.

[4] –  Mouna CADRA, la psychologie de la santé, article publié le 28-09-2018 sur le lien suivant : https://www.mounacadra.fr/psychologie/psychologie-sante/, consulté le 11-05-2024.

[5] – مقبال يمينة، الصلابة النفسية وعلاقتها بقلق المستقبل لدى عينة من شباب التكوين المهني، مجلة دراسات نفسية وتربوية، المجلد 8، العدد 1، الجزائر، نونبر 2018، ص 129.

[6] – عبيد عائشة بية، جودة الحياة وسبل تحقيقها في ظلّ علم النفس الإيجابي، مجلة تاريخ العلوم، جامعة زيان عاشور، الجلفة، الجزائر، المجلد 2017، العدد 6، تاريخ النشر 2017-12-31، ص 354.

[7] – فاطمة النشرتي، الصلابة النفسية وعلاقتها بإدارة الأزمات، مقال منشور بموقع لينكدين بتاريخ 2023-12-11، تمّ الاطلاع عليه بتاريخ 2024-05-05، رابط المقال: https://ae.linkedin.com/pulse/%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%84%D8%A7%D8%A8%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D9%88-%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D9%87%D8%A7-%D8%A8%D8%A5%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B2%D9%85%D8%A7%D8%AA-fatma-elnasharty-rhynf

[8] – مقال بعنوان: الضغوط النفسية، منشور بتاريخ 2020-12-02، على موقع وزارة الصحة السعودية، على الرابط التالي: https://www.moh.gov.sa/HealthAwareness/EducationalContent/Diseases/Mental/Pages/002.aspx ، تمّ الاطلاع عليه بتاريخ: 2024-05-07.

[9] – مقال بعنوان: ما هي المرونة النفسية؟، منشور على موقع منظمة أسام غير الحكومية لتقديم الإرشادات النفسية بتركيا، بدون تاريخ، على الرابط التالي: https://sgdd.org.tr/ar/mhpss/%D9%85%D8%A7-%D9%87%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D9%88%D9%86%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D8%B3%D9%8A%D8%A9%D8%9F/ ، تمّ الاطلاع عليه بتاريخ 2024-05-09.

[10] – شيماء عبد مطر  التميمي، التوازن النفسي والسلوكي،  مقال منشور (2020) بمجلة كلية التربية البدنية وعلوم الرياضة، جامعة المستنصرية، العراق، تم الاطلاع عليه بتاريخ 2024-05-10.

[11] – إسماعيل عرفة، الهشاشة النفسية: لماذا أصبحنا أضعف وأكثر عرضة للكسر؟، دار وقف دلائل للنشر، الرياض، المملكة العربية السعودية، الطبعة الثانية، 2020، ص 39 و40.

[12] – رلى فرحات، الصحة النفسية وتأثيرها على الفرد والمجتمع، مصدر سابق.

[13] – مقال عن الضغوط النفسية منشور بموقع وزارة الصحة السعودية، مصدر سابق.

[14]– رلى فرحات، نفس المصدر السابق.

[15] – إسماعيل عرفة، مرجع سابق، ص 43.

[16] – إسماعيل عرفة،المرجع السابق نفسه، نفس الصفحة.

[17] – رلى فرحات، مصدر سابق.

[18] – مقال عن الضغوط النفسية منشور بموقع وزارة الصحة السعودية، مصدر سابق.

[19] – تقرير منشور بتاريخ 2016-10-07 على موقع الجزيرة نت بعنوان: “الصحة النفسية حول العالم في أرقام“، على الرابط التالي: https://www.aljazeera.net/health/2016/10/7/%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AD%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1%D9%82%D8%A7%D9%85 ، تمّ الاطّلاع عليه بتاريخ 2024-05-11.

[20] – رلى فرحات، الصحة النفسية وتأثيرها على الفرد والمجتمع، مصدر سابق.

[21] – رلى فرحات، الصحة النفسية وتأثيرها على الفرد والمجتمع، مصدر سابق.

[22] – مقال عن الضغوط النفسية منشور بموقع وزارة الصحة السعودية، مصدر سابق.

[23] – مقال عن الضغوط النفسية منشور بموقع وزارة الصحة السعودية، نفس المصدر السابق.

[24] – مقال عن الضغوط النفسية منشور بموقع وزارة الصحة السعودية، نفس المصدر السابق[25] – رلى فرحات، الصحة النفسية وتأثيرها على الفرد والمجتمع، مصدر سابق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الآراء الواردة في الأبحاث والدراسات تعبّر عن وجهات نظر كتّابها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي المجلّة ولا عن آراء القائمين عليها.